7.10.13

فعل الكتابة في ذاته فعل تمرد على السكوت. هو إعلان لمكنون القلب وفي نفس الوقت تسجيل له ليبقى، حتى بعد رحيل كاتبه.  من يقرأ مايكتب عند الانتهاء من الكتابة هو أشبه بجراح يفتح صدر نفسه بمشرط ثم يأخذ قلبه ويتفحصه بالمجهر، فالكتابة هي أن تقول أفكارك لنفسك بصوت عال، أن تراها أمامك كما ترى نفسك في المرآة. وأنت كلما كتبت ليقرأ غيرك فأنت تكشف جزءاً منك للضوء وتعرضه للهواء. هذه الكلمات التي كتبت، هذه الأفكار هي جزء منك قد يجرحك ويؤذيك تعرضها للنور والهواء، وفي المقابل قد ينعشك وينمّيك.
عندما تغضب، اكتب. سيكون فعل الكتابة تنفيساً مثالياً عن غضبك. لكن لا تنشر ما تكتب وأنت لا زلت غاضباً، كمن يفتح نافذته ويصيح ساباً للناس ثم يندم. اقرأ ما كتبته في غضبك بعد انطفاء جذوته، وإن كان لا يزال جيداً بنظرك، انشره بين الناس.
عندما تحس بالضيق، الحيرة، الملل، الألم، حتى الفرح: اكتب. فالكتابة بلسم دواء لكل ألم، وتسجيل حي لكل فرح.
إن أحسست بعجز وبرغبة في الدفاع عن مظلوم لا تملك له شيئاً، اكتب. فبمنحه صوتك تكون قد دافعت عنه أو عن ذكراه.
حتى إن أحسست بالخرس ولم تعلم ماذا تقول أو تكتب اكتب، اكتب أي شيء. صف يومك والأشياء من حولك. صف ذلك الألم الذي يخنق صدرك أو تلك الملابس الملقاة بإهمال على أرض غرفتك أو حبة الشباب المزعجة أو التجاعيد الجديدة التي اكتشفتها ذلك الصباح على وجهك، صف تفاهة الحياة التي تعيشها والملل والخواء والرتابة أو صف سخافة ذلك الجار الجديد أو لطافته، صف الأزهار أمام نافذتك أو القمامة الملقاة في الشارع، أي شيء. وستجد نفسك مسترسلاً في الكتابة. ربما لن يكون ماكتبته أدباً، ربما لا يستحق أن يقرأه إنسان. لكنك على الأقل عندما تقرأه يوماً بعد عشرين عاماً ستضحك أو تبكي على ذاتك الماضية. ستكتشف جزءاً من ذاتك كنت نسيته أو لم تكن رأيته من قبل.
أو اكتب لمجرد فعل الكتابة. كما تدربت على صف الحروف وربطها ببعضها، على تناسق الخط ومسك القلم بشكل صحيح، على الطباعة بعشر أصابع، ثم على النحو والصرف والإملاء اعتبر كتابتك تمريناً رياضياً على ترتيب الأفكار، أو على التركيز على شيء واحد لفترة كافية. نحن نتدرب على كتابة أسماءنا وحروفنا الأبجدية سنين متتالية، فلم لا نتدرب لوقت كاف على ترتيب أفكارنا وألفاظنا وتنسيقها؟ الكاتب لا يولد كاتباً، بل يصبح كذلك مع الزمن وكثرة المران. عبث أن نعتقد أن الكاتب أو الشاعر أو الرسام ولدوا كذلك. هل ولد الخياط الماهر خياطاً؟ والنجار نجاراً؟ والبناء بناء؟
اكتب لتحيا، اكتب لتبقى.
أرجوك، اكتب.

ليست هناك تعليقات:

 
Locations of visitors to this page