19.2.06

الصمت

صمتٌ
ثم صمت
وصمتٌ وصمتٌ وصمت
لاشيء غير الصمت
نسيَت الأبواب طعم الدق
ورنة جرس الهاتف صمتت
أُشبع الجو صمتاً خانقاً
لا يُحتمل
فلتحيا الأصوات!
صوت المذياع والتلفاز والمسجل
و...
...

انحسر الصمت بعيداً
فيما يبدو
فلم لا زالت أذني
تسمع صوته؟

16.2.06

الماضي 2

أحداث في الماضي حلوة
أحداث أخرى تبكينا
لكن ما عدنا نذكرها
نتناساها، نتجاهلها
ونصر على أن الماضي
أجمل أيام عشناها
ملأى بالأحداث الحلوة

أشياء تحدث تبكينا
وتمر عليها الأزمان
ننساها أو نتناساها
أو نضحك لما نذكرها
ونقول: لكم كانت حلوة
تلك الأيام بماضينا!
يا ليت تعود، لتنسينا
ما حدث اليوم ويبكينا!

أطفالاً كنا، ما كنا
ندري ما قصد الآباء
لما قالوا، يا ليت نعود
وكأي صغار نتمنى
أن نكبر، نصبح مثلهم
نتعجب مما قالوه
نستنكره، نتحداه:
"بل هيا سريعاً كي نكبر!
ويكون الكون بأيدينا
أحراراً نصبح، لا سلطان
لأي كبير علينا!"

مرت أعوام وكبرنا
ونسينا ما قد قلناه
تلك الآلام نسيناها
وذاك الشوق لكي نكبر
ها نحن – كما كانوا قبلاً –
ها نحن رجعنا نتحسر
و نقول – تماماً مثلهم –
"ياليت نعود!"

2005

15.2.06

الماضي 1

أشياء تحدث في ماضينا تفرحنا
أحداث أخرى تجرحنا
لكنا ننسى الأحزان
وتذوب – كملحٍ – ذوبانا
ونرى الماضي دوماً أجمل من حاضرنا
مهما كان

1996

3.2.06

الصحراء

تسللت أشعة الشمس الباهتة من نافذة الغرفة، و غمرت النباتات وأواني الزينة الموضوعة في النافذة. رحبت نباتات الصبار الموضوعة هناك بالشمس وبقدوم الصيف. كانت هذه النباتات غريبة عن هذا البلد البارد، اقتلعت من أرضها عنوة ووضعت في أصيص صغير تتزاحم فيه، في نافذة قلما تردها الشمس. رغم ذلك، كان انتقالها إلى النافذة بمثابة العيد! أخيراً أصبح بإمكانها أن ترى السماء، والسحب، وأحياناً حتى الشمس الحبيبة بعد أن كان كل ما يمكنها رؤيته من ذلك الرف الذي وضعت عليه في المحل التجاري - الذي لم تدخله الشمس قط واعتمدت إضاءته على المصابيح الكهربائية - هي البضائع، والبشر، الكثير الكثير منهم كل يوم، والنباتات الأخرى التي كانت على نفس الرف، تنتظر هي الأخرى دورها في الانتقال منه إلى يد أحد المشترين. "ترى، ماذا حدث لباقي النباتات التي كانت على الرف ؟" تساءلت نبتة صغيرة كروية داكنة الخضرة، مغطاة بالأشواك القصيرة الحادة و مكللة بالأزهار الصفراء، مما جعل الباقون يطلقون عليها لقب "ملكة". "لا أدري، المهم أننا نحن هنا ونستطيع رؤية الشمس." أجابتها أكثر النباتات طولاً، والتي كانت أشواكها البيضاء تغطيها كالفرو، تتخللها أشواك شديدة الطول والحدة، مما جعل منظرها شبيهاً ببعض أنواع القطط طويلة الفرو، ومنحها لقب "مياو". "أرجو أن يكون حظها جيداً كحظنا!" قالت ملكة ومدت أزهارها للأعلى استمتاعاً بالشمس." نعم!" تنهد "التوأم"، وهما نبتتان متشابهتان تماماً في لونهما الأخضر وأشواكهما الصفراء ومتقاربتان في الطول. "على فكرة أنت أنانية يا مياو، لا تريدين الخير إلا لنفسك!" "الخير؟" قالت مياو ساخرة. "الخير؟ أي خير. هل تسمون هذا الذي نحن فيه خيراً؟ نحن لا نكاد نرى الشمس حتى تغيب!" وكتأكيد على كلامها، غابت الشمس لحظات ثم عادت للظهور. "وأين الخير إذن؟ على رف المحل التجاري الذي كنا فيه؟ حيث لا تظهر الشمس إطلاقاً؟" سخر منها التوأمان. ومن الخلف قال صوت "إسفنجة" الناعس: "بالنسبة لي لا فرق بين رف ونافذة، مياو أمامي وتحجب الشمس عني على أية حال." "صه! من أنت لتتكلمي على أية حال؟" صاحت فيها مياو بنزق واستعلاء.



كانت إسفنجة هي النبات الوحيد في الأصيص الخالي من الأشواك، وكانت بغياب أشواكها و بلونها الأخضر النضر الذي يشبه في خضرته أول أوراق الأشجار في الربيع تختلف كل الاختلاف عن الباقين. لم تكن مياو في الواقع هي الوحيدة التي تنظر ببعض الاستعلاء إلى إسفنجة، التي اكتسبت اسمها من شكلها الشديد الشبه بالإسفنج البحري لولا خضرتها، ولكن أحداً لم يدعها تحس بذلك من قبل عطفاً عليها. لذا فقد نزلت كلمات مياو على الجميع كالصاعقة، وتعالت أصوات الجميع محتجة، وانفجرت إسفنجة باكية. "كفى! هذا يكفي يا مياو!" صمت الجميع عندما سمعوا صوت "الملك" احتراماً. لم يكن سوى صورة أكبر حجماً من ملكة، مع ميل إلى الاستطالة، وأزهار حمراء كبيرة، ولكن وقاره وقلة كلامه جعلاه موضع احترام الجميع، وجعلاه "الملك" فعلاً لا قولاً. "أن تتذمري، ولا تكوني راضية عن شيء، فهذا شيء يخصك. حتى لامبالاتك بالآخرين تخصك، مادمت لا تؤذيهم. أما أذيتهم فهذا شيء لا يحق لك ويجب علي وعلى غيري منعه!" تعالت الهتافات مؤيدة لكلام الملك، ومطالبة لمياو بالاعتذار لإسفنجة. صمتت مياو عناداُ، وهتف الجميع - كانت ملكة أول من قالها - : "لا مكان لمياو بيننا!" عبثاً حاول الملك - وحتى إسفنجة - تهدئتهم، ولكن مياو لم تفقد هدوءها، وقالت لهم بثقة: "حسناً، لا يهمني. سأذهب إلى الصحراء مادام لم تعودوا تريدونني بينكم." "إلى...إلى أين؟" تساءل أكبر التوأم طولاً بحيرة. "الصحراء. موطننا الواسع الذي ولدنا فيه، حيث الشمس مشرقة وشديدة الحرارة كل يوم، حيث الليل شديد السواد، وتتلألأ في السماء الكثير من النجوم ليلاً، حيث الأفق الذي لانهاية لمداه ولامتداد البصر فيه، حيث النباتات مثلنا تكبر حتى تصبح أكبر من ذلك الكرسي هناك" قالت مياو وقد اكتسى صوتها حنين وحزن لم تحاول اخفاءهما. ساد الصمت، ونسي الجميع الشجار وهم يفكرون في ما قالته مياو. مكان واسع، وشمس كل يوم؟ ليل مظلم، لا تضيء فيه سوى ... ما كان اسمها؟ النجوم؟ كم سيكون هذا رائعاً لو وجد! "أنت تكذبين. لا وجود لمكان كهذا إلا في الخيال" قالت ملكة، ووافقتها همهمات الآخرين. "أنا واثقة من كلامي! الصحراء موجودة!" "لا! هذا يكفي. أترون كم تصر على عنادها؟ تختلق القصص لننسى أن نعاقبها. فلنرم بها خارجاُ ولتمت من العطش وقلة الضوء في قاع الغرفة!" صاحت ملكة غاضبة، وحاولت الاقتراب من مياو، لكن إسفنجة وقفت في طريقها ومنعتها. "أنت؟ أنت يجب أن تكوني أول من يطالب بعقابها. اتركيني!" لهثت ملكة وهي تحاول دفع إسفنجة جانباً. "لكنها لا تكذب!" قالت إسفنجة وهي تستمر في دفع ملكة إلى الخلف، بينما التوأم اللذان انضما إلى حلبة الشجار يسحبانها لتتركها. "هي لا تكذب. لقد رأيت الصحراء!"



أذهلت كلمات إسفنجة الجميع، فهم جميعاً - حتى مياو - ما عادوا يذكرون الصحراء ولا قدومهم منها. أول شيء وعت عليه عقولهم النباتية هو المحل التجاري، ثم الطريق إلى الشقة فالنافذة. مياو كانت وهي في المحل شديدة الفضول وحب المعرفة، ولذا فقد وقعت عيناها مرة على كتاب كان يتصفحه أحد زبائن المحل قريباً من الرف، وكانت فيه صوراً ملونة للصحراء و للنباتات فيها، في النهار وفي الليل، نباتات صحيحة كبيرة لم تحد الأصص من نموها. لم تذكر مياو الكتاب يومها لأحد، لأنها بقراءتها له اخترقت أحد أهم قوانين نباتات المحل: قانون اللامبالاة بما يحدث خارج نطاق الرف. ولكن كلامها عن الذهاب إلى الصحراء كان فعلاً مجرد كلام، قالته لإخفاء خوفها و لتظهر عدم مبالاتها بما يفعله الآخرون بها. أن تكون نبتة كإسفنجة قد رأت الصحراء وتذكر حياتها فيها قلب شعور الآخرين نحوها من احتقار إلى احترام و إجلال. لم يكن الملك قد تدخل في الشجار بغير كلماته الأولى، حتى عندما حرضت ملكة على اقتلاع مياو لم يمنعها، ولكنه ما إن رأى الباقين قد التفوا حول إسفنجة وتركوه حتى صاح: "كفى! هذا هراء وتجديف! لا يمكن لأحد رؤية الصحراء، أو الذهاب إليها إلا بعد موته!" "ولكني رأيتها!" أصرت إسفنجة. "رأيتها وعشت فيها أول أيامي! مازلت أذكر دفء الشمس وبرد الليل، أذكر النجوم و النسمة المنعشة التي هبت علي في الليل ودغدغت أوراقي الصغيرة، وأذكر اليد التي اقتلعتني من الأرض الرملية، والألم الذي أحسست به وقتذاك في جذوري. مازلت أذكر تلك الرحلة في سيارة النقل، والرمال تهب علينا أنا ومن قلعت معي من رفيقاتي، ونحن مرميات على أرض السيارة بلا أصص تحمينا." "هراء! هذا وهم! حلم حلمتِ به في يوم من الأيام أو كذبة تكذبينها! قلت إن الصحراء لا يمكن إلا للأموات رؤيتها، وهي وهم بالنسبة للأحياء. أم أنك رجعت من الموت؟" كان غضب الملك بهذا الشكل جديداً على النباتات في الأصيص، واحتاروا هل يؤيدون كلام الملك ،أم يصدقوا إسفنجة؟ ملكة وقفت على الفور إلى جانب الملك دون تردد، فهو في نظرها لا يكذب أبدا، أما التوأم فهما الحارسان المخلصان للملك، ولا يهمهما من هو الصادق! "اقتلعوها!" أمر الملك، "اقتلعوها إن لم تتراجع!" "لن أتراجع، فأنا لا أكذب ولا أتوهم، وسيأتي اليوم الذي تدركون فيه أني صادقة!" تقدم التوأم لاقتلاع إسفنجة، وهنا قالت مياو: "اقتلعوني أنا أولاً إذا أردتم الوصول إليها!" ووقفت بينهما وبين إسفنجة. "إذاً اقتلعاهما معاً!" صرخت ملكة بوحشية.



في الصباح التالي، دخل البشريّ الغرفة والتقط بقايا النبتتين الجافتين من على الأرض، وقال: "خسارة، يبدو أن الجو هنا لم يناسبهما. ما كان يجب انتزاع هذه النباتات من بيئتها الطبيعية!"
 
Locations of visitors to this page